تآمر إمارات جزيرة العرب على أحجار بيت العروبة
دعوة دول الخليج لضم المملكة المغربية لمجلس التعاون، جاءت في زمن مبكر لتعرّي أبعاد المسار التآمري ضد العالم العربي المرشح لميلاد حلف جديد لنادي أمراء الطوائف يستكمل هدم ما لم تأت عليه الفوضى الخلاقة، وثورات الفيس بوك، وتهيئة المسرح لإحكام إرتاج الاحتواء المزدوج للجزائر آخر الثيران البيض الذي سوف يقاد إلى المذبح.
- القرار الأخير الذي اتخذه ملوك وأمراء مجلس التعاون الخليجي بتوسيع المجلس ليشمل الأردن والمغرب، استقبل داخل الدوائر الدبلوماسية الإقليمية والدولية بكثير من الدهشة والاستغراب، وأثار وسوف يثير جدلا واسعا داخل العالم العربي، وربما سوف يدعو الكثير من الدول العربية في المشرق والمغرب إلى مراجعات عميقة وأليمة للعلاقات البينية العربية.
- القرار جاء مفاجئا، ولم يكن مسبوقا بأيّ تسريب تسخر عادة لجس النبض، وقياس ردة الفعل، وكأنه كان وليد اللحظة، لم يسبق بأي تشاور أو إعداد مسبق، حتى أن أكثر الجهات التي تفاجأت بالقرار هي الدول التي وجهت لها الدعوة للانضمام الفوري لمجلس التعاون، وتحديدا المملكة المغربية، التي وإن كانت قد رحّبت بالدعوة، فإنها ترى من الضروري فتح حوار أكثر
- عمقا.
- الترحيب بطلب الأردن الانضمام لم يكن مفاجئا، فقد كانت الأردن واليمن على الجدول منذ سنوات، ثم إن اليمن والأردن لهما جانب من المواصفات المطلوبة للعضوية، من حيث طبيعة النظام الملكي، والاتصال الجغرافي، والانخراط المبكر للأردن في محور الاعتدال العربي إلى جانب دول الخليج ومصر، لكن الدعوة التي وجهتها القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون لانضمام المملكة المغربية، الدولة العضو في الإتحاد المغاربى هي محل استغراب، وقد تحتاج إلى طلب توضيح عاجل من دول الخليج ومن المغرب، لأن انضمام المغرب سوف يخرج مجلس التعاون الخليجي من كونه منظمة للتعاون الإقليمية إلى صورة كيان محوري جديد، يقسم العالم العربي إلى محورين، ويستبطن أخطارا أعظم من أي تقسيم سابق.
-
- درع الجزيرة لحماية ملوك الطوائف
- ربما يكون الوقت مبكرا للبحث في الدوافع التي حركت دول الخليج نحو هذا القرار، حتى وإن كانت الظروف التي يمر بها العالم العربي، وانهيار النظام العربي الرسمي تحت مظلة جامعة الدول العربية، يفسران جانبا من هذا القرار المحفوف بالمخاطر، غير أنه قد يكون من السهل استشراف تداعيات هذا القرار على الواقع العربي الرسمي والشعبي المتفكك أكثر من إدراك الدوافع التي تبقى غامضة.
- بعض القراءات المتسرّعة أوعزت قرار استنجاد دول مجلس التعاون بالأسر المالكة الشقيقة في الأردن والمغرب إلى حالة الهلع التي تعيشها الأنظمة الخليجية، الواقعة تحت التخويف الأمريكي الصهيوني المتواصل حول الخطر القادم من الجارة إيران، والشعور بخطر أعظم وأقرب تجاه الحراك الشعبي المنفلت العقال، المتدحرج من البحر إلى البحر، وقد أصاب بعض دول الخليج، واضطرّها إلى تفعيل درع الجزيرة لأول مرة لحماية مملكة البحرين من السقوط، وإخماد الاحتجاجات في عمان. البعض رأى أن الدولة الخليجية التي فقدت في مصر مبارك حليفا قويا ومؤتمنا من خارج دائرة الأنظمة الملكية، تكون قد شعرت بالحاجة إلى تعويض الكتلة المصرية الوازنة في القرار العربي، بكتلة مركبة من الأردن والمغرب، فضلا عن الاستفادة من الخبرات الأمنية والعسكرية لكل من الأردن والمغرب.
-
- حراسة البوابة على الحلقات الأضعف
- ومع التسليم بصحة هذه الدوافع، فإن دول الخليج التي تحظى بحماية أمريكية لا يشكك فيها عاقل، ليست قلقة على الدول الأعضاء، بعد أن أثبتت منظومة درع الجزيرة قدرتها على ردع الاحتجاجات الشعبية في البحرين، وحظيت بمباركة دولية عربية وغربية، لكن دول الخليج تكون أكثر قلقا من احتمال أن يأتي الدور على الأردن والمغرب وهما خارج الحماية، وتفتقران إلى القدرات المالية التي سمحت حتى الآن للسعودية وقطر وعمان والإمارات بإسكات الشارع الخليجي المتململ، فقد باتت العائلات الملكية في الخليج تخشى واحدا من الأمرين:
- الأول: أن تنجح الاحتجاجات الشعبية في الضغط على النظام الملكي في الأردن والمغرب، فتجبره على تقديم تنازلات واسعة، قد تصل حد تحويل المغرب والأردن إلى ملكيات دستورية، وهي الصيغة التي تعادل في أعين الأمراء الخليجيين انتزاع السلطة والمال من أيدي الأسر الحاكمة.
- والثاني: أن يحصل للعاهلين، عبد الله ومحمد السادس، ما حصل لشاه إيران أو لملك ليبيا إدريس، بإسقاط النظام الملكي، وإحلال النظام الجمهوري، وفي الحالتين فإن تغيير طبيعة النظام الملكي في الأردن والمغرب، أو إسقاطه سوف يشكلان سابقة خطيرة، قد تشجع شعوب دول الخليج على الاقتداء وركوب الموجة.
-
- خطوة تحضيرية لبناء جامعة للدول العبرية
- لكل ذلك، فإن دعوة الأردن والمغرب للانضمام إلى مجلس التعاون لم يكن بدافع ضم مملكتين شقيقتين، لا تمتلكان من المقدرات المالية بما يكفي لمواجهة موجة المطالب الاجتماعية المتعاظمة، فالدعوة لها دافع أناني صرف، وهو حماية نظم الأسر الملكية الحاكمة في الخليج من نشوء دورة دومينو جديدة، تطال هذه المرة النظم الملكية، بتشجيع من قوى إقليمية ودولية قد تدخل اللعبة في العالم العربي، خاصة وأن دولا عظمى مثل روسيا والصين، ودولا إقليمية متوسطة، مثل إيران والجزائر وسوريا لم تهضم العبث الأمريكي والغربي بأمنها القومي، وجرأة بعض دول الخليج، مثل قطر والإمارات العربية على زعزعة الاستقرار في سوريا، حليفة إيران، وفي ليبيا التي سوف ينتج عن سقوط النظام فيها خلل استراتيجي قاتل لبلاد محوري مثل الجزائر.
- من جهة الدوافع التي تبدو للوهلة الأولى ذات صلة بالهلع الحقيقي عند عروش الخليج، والتي قد لا تثق هذه المرة بما يكون قد بلغ لها من تطمينات أمريكية وغربية، بعد الذي رأوه من خذلان أمريكي وغربي لأكثر الزعماء العرب ولاء للغرب، ولحارس بوابة الغرب على جناحي المشرق والمغرب العربيين بأرض الكنانة قبل أن يسقط. ولعل زعماء الخليج الذين أذعنوا وهم صاغرون إلى المشاركة في العبث بأمن واستقرار دول وشعوب شقيقة، إنما يتحركون اليوم مكلفين لا مخيرين، وتحت التهديد المباشر لعروشهم، فتكون دعوة الأردن والمغرب، ترجمة لأمر إمبراطوري بتأليف محور عربي للأسر الملكية، تسعى من خلاله الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الإجهاز النهائي على النظام العربي الرسمي تحت سقف جامعة الدول العربية، حتى بعد أن أصيب بما أصيب من الترهل والزمانة.
-
- حرب أمراء الطوائف على بقايا العرب
- ضم المغرب إلى النادي الملكي الخليجي، لا يقوض فقط العمل العربي التقليدي على مستوى الجامعة العربية وملحقاتها، بل سوف ينسف في الوقت نفسه ما بقي من بيت الاتحاد المغاربي، ويضيف إلى النزاع المتحكم فيه بين المغرب والجزائر سببا إضافيا للتصعيد والتوتر، بإضافة المخاوف عند بقية الدول في الاتحاد المغاربي، وعلى رأسها الجزائر، التي سوف تشعر يقينا بعملية احتواء مزدوج من جهة الشرق، بما هو حاصل في ليبيا وتونس، ومن جهة الغرب، بما يتبع انضمام المغرب لمجلس التعاون من استقواء للعرش العلوي بالمال الخليجي، وبالتقارب الحاصل بين دول الخليج وفرنسا تحديدا، فضلا عن التهديدات الناشئة في خاصرة الجزائر الرخوة من جهة الجنوب.
- الحاصل أنه لم يعد ثمة مجال للشك، من أن قوى جبارة تعمل الآن على أكثر من جبهة لتوليد صيغة غير مسبوقة لشرق أوسط جديد، بمواصفات محددة، لعل أهمها: إذابة العنوان العربي لهذا الفضاء المشكل لقلب العالم، ومصدر طاقته الأول، يليها التفكيك الحتمي لأهم الكتل فيه، وتحديد العراق وسوريا ومصر والسودان والجزائر، بعضها تحقق أو هو في الطريق: العراق، السودان واليمن، والبعض يحتاج إلى معالجة أطول، كما نرى في سوريا ومصر، بينما يحضر المسرح للإجهاز على آخر كتلة في شمال إفريقيا، إذا نجحت المؤامرة في ليبيا، وانساق المغرب إلى مقامرة الانسلاخ من إقليمه الطبيعي، متأثرا بإغراءات البيترو دولار، لأن الجزائر سوف تكون حبة الكرز التي تزيّن بها كعكة الشرق الأوسط الجديد، حتى وإن كان الدخول إليها يحتاج إلى بوابة أخرى غير التثوير والشغب الشعبي بإشعال فتيل القنبلة الموقوتة المزروعة في الصحراء الغربية.
-
- الاحتواء المزدوج للجزائر ومصر
- إذا صدق هذا التشخيص فإنه يكون لزاما على الدول العربية المحورية المستهدفة بهذا المشروع التآمري الخطير أن تترك جانبا ما اعتادت عليه من حذر وتسويف، وتبادر إلى قراءة مشتركة لهذه التهديدات التي انتقلت من مجال الاستشراف إلى الفعل الحاصل، ثم تبني على الشيء مقتضاه. وأرى أنه مازال بوسع دول بحجم الجزائر ومصر وسوريا أن تطرح الخلافات السابقة جانبا، وتتحمّل مسؤولياتها كاملة في قيادة ما بقي من العالم العربي، والإسراع بإعادة تشكيل إطار سياسي تضامني جديد، حتى لو اقتضى الأمر تجميد الجامعة العربية التي لم يعد لها معنى، والدخول في حوار جاد ومسؤول مع قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، ودول عظمى معنية بالصراع الحاصل في المنطقة مثل الصين وروسيا.
- لعل أول مهمة عاجلة، تهدد الآن الأمن القومي لمصر والجزائر هو ما يحصل في ليبيا، التي تتطلب اليوم موقفا جزائريا ومصريا واضحا لا غبار عليه، ببعث برسالة قوية للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، تفيد بصريح العبارة أن مصر والجزائر لا يمكن لهما أن يسمحا باستمرار مشروع التقسيم والتفتيت للجماهيرية الليبية.
-
- هدم خليجي لبنيان الاتحاد المغاربي
- أيّا كانت التفسيرات التي سوف تقدمها دول الخليج من أجل طمأنة دول شمال إفريقيا والمغرب العربي، سواء بشأن التدخل العسكري الصريح لقطر والإمارات في العدوان الحاصل على ليبيا، أو بشأن هذه الدعوة الاستفزازية الصرفة لضم المغرب لمجلس التعاون الخليجي بكل ما يعنيه انضمام المغرب من تقويض لفرص قيام الاتحاد المغاربي، أيّا كانت التفسيرات فإنها لن تقنع صانع القرار في مصر والجزائر وتونس بوجود نوايا حسنة عند الأشقاء في الخليج، وإذا كانت مشاركتهم في التحريض والتمويل والدعم السياسي والدبلوماسي لعدوان النيتو على ليبيا لم تترك مجالا للشك، فإن دعوة المغرب للانضمام لنادي ملوك وأمراء الخليج ينبغي أن يقرأ في الجزائر كخطوة عدائية صريحة تحمل تهديدات لا تحصى لأمن واستقرار منطقة المغرب العربي، خاصة وأنها لم تكن مسبوقة بأيّ عمل دبلوماسي يشرح حدود هذه الخطوة للأطراف المغاربية، ويطمئن الجزائر تجاه تبعات ضم المغرب لمجلس التعاون في المجال الأمني والعسكري مع وجود ترتيبات أمنية وعسكرية واضحة في منظومة دول الخليج، قد رأينا كيف فعلت في أزمة مملكة البحرين.
-
- تهيئة المذبح لسلخ ثور المغرب الأوسط
- وعلى صعيد آخر، يحتاج المغرب إلى توضيح موقفه من الترحيب السريع بالدعوة، التي تعني انصرافه الكامل عن العمل المغاربي المشترك، وانخراطه في ما يشبه محورا عربيا، لنظم ملكية مرتبطة بالمشروع الأمريكي، الذي أظهر عداءه السافر لشعوب ودول العالم العربي، وأنه يتعيّن على المغرب أن يتوقع ردّة فعل من قبل الجزائر، التي لن تقبل أبدا أن تترك كماشة الاحتواء المزدوج تطبق عليها في الشرق والغرب، دون أن تفعل ما بين أيديها من آليات سياسية ودبلوماسية، وأن تتوجه إلى الفاعل الرئيسي، وأعني الولايات المتحدة بخطاب صريح يخيّرها بين توقيف هذه اللعبة الخطرة وبين الاستمرار في التعاون الجزائري الأمريكي الذي ساعد على ضمان الاستقرار في المنطقة وفي ربوع الصحراء الكبرى والساحل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire