الملكيات راسخة والجمهوريات مهتزة.
الأولى يجب إسقاط أنظمتها، أما الثانية فتحتاج إلى إصلاح فقط.
هذه هي النظرية السائدة. وهي نظرية تروج لها أمريكا والغرب عموما. وهي نظرية تريد أن تقول لنا أن الملكيات حكيمة، لم تنفصل عن شعوبها، ولم تكن دموية في مواجهتها، كما هو الحال في الجمهوريات.
لكن هذه النظرية كاذبة تماما. كاذبة جدا.
فالشعوب العربية تنتفض وتطالب بإسقاط أنظمتها في البلدان الجمهورية لأن فكرة الجمهورية ذاتها تسمح بذلك، وتدعو إليه في أعماقها، أيا كانت محاولات طمس هذه الفكرة. أما فكرة الملكية فتجعل من فكرة إسقاط النظام طرازا من الكفر. فالملك- العاهل إله، وغير مسؤول أمام الشعب. وخطأه قدر إلهي لا راد له.
بالتالي، ففكرة الجمهورية أكثر تقدما لأنها تتيح التفكير بما لا يمكن التفكير فيه في الأنظمة الملكية، مهما كانت درجة القمع والقهر: أي فكرة التغيير والإسقاط وحكم الشعب. هذا يعني أن الشعوب في الجمهوريات تنطلق من نقطة أكثر تقدما من الشعوب في الملكيات. من أجل هذا كان رفض التوريث في جوهر الثورة المصرية. وكذا الأمر في ليبيا واليمن. كما أن رفض التوريث ظل فكرة ظلت تحوم في سماء دمشق دوما. الثورات العربية في غالبيتها كانت ضد التحول إلى طراز من الملكية في الجمهوريات. أي أنها كانت في الواقع ضد النظام الملكي أساسا، حيث الحاكم ليس مسؤولا أمام الشعب.
ليست حكمة النظام السعودي هي ما يجعل فكرة الإسقاط غير مطروحة، بل تحريم وجود فكرة الإسقاط ذاتها وتجريمها. فالتفكير في إسقاط النظام الملكي يشبه التفكير في إسقاط الأعمدة التي يقوم عليها عرش الله في السماء.
ليس لدى النظام السعودي حكمة حتى يشاد بها. حكمته هي حكمة قذف المعارضين من الطائرات في صحراء الربع الخالي. وهي خطف المعارضين من بيروت وإخفاؤهم إلى الأبد. هي حكمة عدم قدرة أحد على معرفة عدد المساجين والمعتقلين عنده. حكمة آل سعود هي حكمة العتمة. أما حكمة آل خليفة في البحرين فقد رأينا نموذجا مخيفا عنها في الأيام الخيرة. وقس على ذلك.
الناس يتظاهرون لإسقاط النظام في الجمهوريات العربية لأن فكرة الجمهورية قائمة، لأنها موجودة. وهي فكرة ثورية بطبيعتها، تدفع الناس إلى الخروج من بيوتهم إلى الشوارع في نهاية الأمر. إذ هي تعلن فورا أن الحاكم موظف عند الشعب ومسؤول أمامه.
أما الغرب، الغرب المنافق.. أما أمريكا، أمريكا المنافقة فيريدان لنا أن نصل إلى الاستنتاج التالي: الملكيات عقل والجمهوريات لا عقل، الملكيات رحمة والجمهوريات دم وعنف، الملكيات رصانة والجمهوريات غوغاء. والسبب: أن الملكيات حليفة تابعة للغرب. خادمة له بدل أن تكون خادمة للشعب.
لا، نحن نستطيع الثورة لإسقاط حكام وأنظمة لأن لدينا جمهوريات. أما الذين لديهم ملكيات فعليهم، بعد، أن يقطعوا مسافة حتى يصلوا إلى فكرة تغيير الحاكم وطرده إن لم يعجب شعبه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire